في صباح يوم جديد، اجتمعت السيدة ناهد زوجة وحيد مع جارتها التي تقطن أسفل شقتها، فتهللت أسارير وجهها وهي تسمع جارتها تقول بحماس:
-دا عريس بقى ولا كل من قال يا أم نادر، إبن ناس أكابر أوي اللي أنا بشتغل عندهم.
-طب لما هما أكابر أوي كدا ليه عاوزين يناسبوا ناس على قد حالهم كدا؟
-بصي يا أم نادر أمه الست لقاء قالتلي إنهم عاوزين واحدة كدا بنت حلال وبس وتكون متعلمة كويس لأن كل البنات اللي في مستواهم أعوذ بالله يعني ماشيين على كيفهم، ياريت كان عندي بنت هو إحنا نطول ياختي!
تنهدت ناهد بسعادة غامرة وهي تكمل:
-طب شوفي هيجوا يشوفوا رحاب إمتى.
-لأ يا حبيبتي أنتِ تشوفيلي صورة حلوة كدا لرحاب الست لقاء والدته عاوزة تشوفها الأول.
هزت رأسها موافقة وقد قالت:
-ماشي.
بعد انصراف السيدة نهضت ناهد واتجهت إلى غرفة ابنتها فورًا ثم حدثتها بقلب فرح:
-شوفيلي كارت ليكي كدا يا رحاب تكوني حلوة فيه وشكلك حلو..
رحاب باستغراب:
-ليه يا ماما!
-في عريس كويس أوي طالب عروسة، هاتي بقى!
اتجهت رحاب بلا مبالاة إلى درج مكتبها وأخرجت منه صورة تجمعها مع سماء ومدت يدها إلى والدتها قائلة:
-اتفضلي دا اللي عندي..
-وملقتيش إلا أللي أنتِ متصورة فيه مع الزفتة سماء؟
-معنديش غيره ويلا يا ماما عشان عندي مذاكرة!
ضغطت الأم على شفتيها بينما تقول بحدة عارمة:
-أنا هتصرف يا مقصوفة الرقبة!
تركتها وانصرفت وزفرت رحاب الهواء بضيق وهي تردد:
-يارب صبرني..
اتجهت إلى الشرفة بعد ذلك حيث توجد سماء، وكعادتها تشرد في السماء بلا ملل، لتبتسم رحاب وهي تتحدث إليها:
-حبيبتي أخبارك إيه دلوقتي؟
وبابتسامة باهتة أخبرتها:
-الحمدلله بخير يا حبيبتي.
-أنا عارفة إنك مش بخير، وعارفة إن صعب عليكي كل اللي بيحصل دا والله بس إن شاء الله ربنا هينجيكي يا سماء أنا متأكدة ولازم أنتِ كمان تكوني متأكدة من كدا يا حبيبتي.
أومأت سماء برأسها بينما تستطرد:
-أنا واثقة في ربنا يا رحاب، الحمدلله، ممكن تروحي تذاكري عشان ماحدش يدخل على سهوا وبعدين مش هيحصل كويس..
-ماشي أنا هعمل شاي أعملك معايا؟
ابتسمت سماء مجددًا بحزن تام وهي تقول:.
-هروح أعمله أنا عشان متهزقش يا رحاب، عن إذنك.
هكذا أنهت جملتها وذهبت إلى المطبخ فورا وبدأت في إعداد الشاي، ثم آتاها صوت نارد الذي ولج الآن إلى المطبخ وراح يهتف ببرود:
-عاوز شاي.
ضغطت على أسنانها بقوة ثم قالت بصوت مختنق:
-حاضر.
ظل يتابعها بعينين حادتين وهو يحاول أن يجد ثباته الانفعالي إلا أنه لم يستطع واقترب منها متسائلا بنبرة عنيفة:.
-لسة مصدرة دماغك؟, مش فاهم بتعملي كدا ليه؟, عاجبك النار اللي عايشة فيها اوي ياختي؟, بقولك هتجوزك وانقذك من هنا!
لم تنظر له ولم تنبس ببنت شفة وكأنه لم يتحدث!, فأشعلت نيران غضبه ليرمي بالأقداح الموضوع على الطاولة فانتفضت مذعورة، ليقول:
-لما أكلمك تردي عليا!
نظرت له بوجل من بين عينيها الدامعتين لتقول بحذر:
-النار دي متفرقش كتير عن الحياة اللي هعيشها معاك، سبني في حالي!
ضاقت عيناه بوعيد ولم ينطق بأي حرف، فقط ارسل لها نظرة أرعبتها وبرح المكان فورًا..
تقف سيارة سالم أمام العم فتحي مجددا وعينيه تبحث عن عنها في اهتمام، لكنه لم يجدها لذا تساءل بفضول:
-عملت إيه مع البنت يا عم فتحي؟
اقترب فتحي من السيارة وانحنى قليلا كي يحادثه قائلا:
-جه واحد أعوذ بالله شكله ميعرفش ربنا ضرب البنت وخدها بالعافية وأنا مقدرتش أعمل أي حاجة.
عقد سالم حاجبيه وضم شفتيه بضيق ثم تنهد متابعا:
-تمام.
انطلق بسيارته ما أن أنهى الحديث حيث مقر عمله..
وفي المساء يعود إلى البيت منهكا فتستقبله أمه بشاشة كعادتها معه وتدلله كأنه مازال طفلها الصغير..
جاورته الآن في غرفته بعدما أبدل ملابسه، ونظرت له مبتسمة فقال رافعا أحد حاجبيه:
-خير يا أم سالم شكلك عندك موضوع مهم.
-مهم أوي يا حبيبي اوي اوي لقيتلك العروسة اللي كنت بتدور عليها ومش من الوسط بتاعنا يا سيدي لأ وخد التقيلة بقى طالبة في كلية الطب يعني هتبقى دكتورة زيك..!
مط سالم شفتيه قائلا بلا اهتمام:.
-تمام.
-إيه تمام دي؟, أنت مش مبسوط ولا أيه؟
-عادي يعني يا ماما نشوفها مافيش مشكلة.
-طب استنى.
أسرعت إلى أحد الأدراج وأخرجت منها الصورة وتقدمت إليه مع قولها:
-شوف كدا وقولي رأيك، أنا قلت تشوفها الأول قبل ما نروح.
نظر سالم بتمعن إلى الصورة، والذي أدهشه هي الفتاة الواقفة جوارها لكن وجهها قد اختفى!
-إيه دا؟هو فيه حد يبعت صورة كدا؟ فيه بنت جنبها ووشها مخفي ليه؟
ضحكت الأم مردفة:.
-مالكش دعوة أنت يا سالم خلينا في المفيد، قولي إيه رأيك في البنت.
سالم متنهدًا:
-ياريت الصورة زي الاصل يا أم سالم نشوف الأصل وبعدين نقرر.
-ماشي يا مغلبني.
ما إن انصرفت والدته من الغرفة حتى وجد من يطرق الباب فلم يهتم في البداية، لكن الطرق ازداد وهو قد علم من يكون الطارق، استمر في صمته لكن لا جدوى، يبدو أنها مُصرة!
نهض على مضض وفتح الباب قائلا بنبرة محتدمة:
-خير يا نهال، خير؟
تنحنحت نهال بحرج، تلك الفتاة العشرينية الجميلة التي تتعشم فيه خيرا دائماً، لكنه يحطم كل شيء دائما أيضًا، قال لها مراراً وتكرارا أنه لم ولن يناسبها بكل الأشكال لكنها لم تمل من حبه وهي تعلم علم اليقين أن الحب ذاك من طرفها هي!، أو ما هو إلا وهم لديها فحسب.
-نعم يا نهال، بكلمك؟
هكذا قال لها بعصبية، . فاستيقظت من شرودها وهي تقول بخجل:
-أنا بس كنت حابة أطمن عليك ولقيت النور شغال فقلت إنك أكيد صاحي.
هز رأسه ببطء وهو يحاول أن يبتسم لها بالكاد بينما يتابع:
-شكرا يا نهال، أنتِ عاملة إيه؟
-كويسة الحمدلله يا سالم..
ضحك سالم رغما عنه فيما يقول من بين ضحكاته:
-حلوة سالم دي بجد، مش واخدة بالك إني أكبر منك ب 15 سنة تقريبا يعني تقوليلي يا أنكل يا أبيه كدا يعني!
هي ضاحكة:
-أصل شكلك صغنون مش باين عليك سن سوري!
-صغنون؟, طيب يا نهال، طيب يا حبيبتي تصبحي على خير بقى.
ابتسمت باتساع لقد قالها أخيرًا حبيبتي !
تنهدت وقد تورد وجهها بشدة وهي تقول له بخفوت:
-وأنت من أهله، ثم أشارت له بيدها وذهبت إلى غرفتها تحت أنظاره المذهولة!
بينما يغلق باب غرفته وهو يحدث نفسه قائلاً:
-لأ، مش طبيعية!
بعد مرور إسبوع..
حيث بيت السيد وحيد الذي قام بالترحيب التام بالدكتور سالم ووالدته بينما كانت الفرحة تغمر قلب وحيد وزوجته ناهد لحضور هذه العائلة الغنية لخطبة ابنتهما..
في داخل الغرفة
كانت تقف رحاب أمام المرآة وهي تضبط طرحتها الرقيقة ذات اللون الأزرق الهادىء حيث يتماشى اللون مع لون بشرتها الفاتح وكذلك مع فستانها الأبيض الرائع، كانت مختلفة وخجولة يشوبها التوتر البالغ بالطبع..
ربتت سماء على كتفها قائلة بهدوء:
-ما شاء الله يا حبيبتي زي القمر.
-أنا متوترة جدا يا سماء مش عارفة هخرج إزاي.
-هدي نفسك هتخرجي عادي وهتبهري العريس كمان.
ابتسمت رحاب وقالت برفق:
-يا حبيبتي يا سماء عقبال لما أقف معاكي نفس الواقفة دي ويجيلك اللي يستاهلك.
-إن شاء الله.
-ممكن تخرجي معايا يا سماء أنا بجد مكسوفة أوي.
سماء مبتسمة بهدوء:
-طبعا بس الاول هروح أقدم لهم الحلو والعصير وهجيلك..
انصرفت على ذلك إلى المطبخ وحملت الصينية التي أعدتها منذ قليل وخرجت فورًا إلى صالة المنزل بينما تضع الصينية على الطاولة وترفع عيناها فتشهق بخفوت حينما تقابلت عيناها مع عيني سالم!
الذي لم يختلف حاله عن حالها وحملق بها في ذهول، فحاولت سماء ألا تظهر ذلك فاستقامت في وقفتها وكادت تذهب لولا حديث السيدة لقاء التي قالت:
-ما شاء الله مين الحلوة؟!
فقالت ناهد على مضض:
-دي سماء، بنت عم العروسة..
ابتسمت لقاء وقالت بدهشة:
-سماء؟, الله اسمك بجد جميل جدا.
قالت سماء بصوت متحشرج من فرط توترها البالغ:
-شكرا لحضرتك.
ولم يحيد سالم بنظره عنها فقط كان يتابع حركات يديها ورجفة جسدها الهزيل، يعلم أن وجوده أصابها بالتوتر والخجل كما لم تتوقع أن يكون هو الشخص المتقدم لإبنة عمها، وهو أيضاً لم يتوقع ذلك قط، ومما أدهشه أكثر هي تلك الكدمات المتفرقة في أنحاء وجهها والآن بدأ يربط الخيوط ببعضها، وجودها عند العم فتحي في ساعة متأخرة، الكلام الذي قاله فتحي حول مجيء ابن عمها وضربها وأخذها بالقوة! الكدمات التي تظهر الآن على وجهها! معاملة زوجة عمها لها الآن! كل هذا أوضح له لماذا كانت هناك في الليل العتيم باكية!
-ادخلي اندهي على رحاب..
وكانت هذه الجملة لنادر الذي لاحظ نظرة سالم لها، بينما ينظر له سالم بحدة من أسفله إلى أعلاه، نظرة استوعبها نادر جيدا فبادله بنفس النظرة قبيل أنا يحيد بوجهه إلى الجهة الأخرى.
بعد قليل كانت قد خرجت رحاب وصافحت السيدة لقاء والقت السلام على سالم ذاك الذي رد عليها السلام وهو لا ينظر حتى إلى وجهها، بل كانت عيناه معلقة على شيء آخر!
يمر القليل من الوقت وتتحدث السيدة لقاء بدورها قائلة:
-إحنا جينا النهاردة عشان نطلب إيد بنتكم لإبني الدكتور سالم يا جماعة وقبل أي كلام لازم تكونوا على علم إن إبني كان متجوز ومخلف بس للأسف مراته وبنته ماتوا في حادثة الله يرحمهم يارب.
تأثر الجميع بذلك وقالوا:
-الله يرحمهم.
بينما تتابع السيدة لقاء:.
-دا إبني الوحيد عايشة أنا وهو ووالده في القصر بتاعنا ومعانا بنت أختي برضوه يتيمة ملهاش إلا احنا، ابني عنده 35 سنة دكتور علاج طبيعي عنده مركز كبير الحمدلله.
فقال وحيد بانبهار:
-ماشاء الله احنا مش هنلاقي لبنتنا أحسن من الدكتور سالم طبعا.
تحدث سالم أخيرًا برسمية شديدة:
-شكرا لحضرتك يا فندم، أنا اللي يشرفني أطلب منك إيد الأنسة سماء…